مثل طائر أسطوري صغير كان «التوك توك» يتحرك في شوارع القرية، متسللا بين السيارات المتلاصقة في زحمة الطريق كأنما يحاول الطيران كي يصل بركابه إلى عمق الحواري الضيقة والأزقة المنهكة. أطلت أم عبير برأسها من داخل «التوك توك» وهو يزحف ببطء، كي تبدد نظرات الدهشة المرتسمة على الوجوه وهي تقول: «التوك توك أحسن اختراع وصل مصر يا جماعة.. وسيلة مواصلات حلوة. كنت أنزل من الميكروباص وأمشي إلى بيتي مسافة أربعة كيلومترات وأنا شايلة الخضار ولوازم البيت، لكن مع التوك توك أصل إلى عتبة البيت، وأنا أجلس بمنتهى الاحترام ولا بهدلة الميكروباصات والمواصلات العامة. وكل ذلك في مقابل جنيهين اثنين، فيه أحسن من كده؟! التوك توك حاجة كويسة طبعا».
لكن : «التوك توك آخر قرف يا بيه، هيه الدنيا ناقصة زحام.. انظر إلى من يقود هذه الصفيحة المتحركة شوية عيال صغيرة، تدخن البانجو وتستغل حاجة الناس ويتسببون في حوادث مؤلمة ويقودونه وهم سكارى، ولا توجد رقابة عليهم لأنهم غير مرخص لهم بالعمل أصلا. أصابوا طفلة بالقرب من السوق في ساقها الأسبوع الماضي.. بيقولوا التوك توك بيحل مشكلة لكنه في الحقيقة بيزيد المشاكل الأخرى..
«التوك توك» العربة الصغيرة هندية الأصل ذات عجلات الثلاث وغطاء بلاستيكي، صارت تستخدم على نطاق واسع في القريةلنقل المواطنين في الشوارع الضيقة التي يصعب فيها حركة سير السيارات. يتسع «التوك توك» لثلاثة أشخاص في الكرسي الخلفي، بينما يمكن لرابع أن يجلس بجوار السائق. والماكينة الخاصة به عبارة عن ماكينة الدراجة النارية العادية حيث تستهلك 1.5 كيلو زيت كل ثلاثة أيام بتكلفة عشرة جنيهات، ويصل صافي الربح اليومي إلى 25 جنيها أي ما يعادل حوالي خمس دولارات أميركية. يواصل «التوك توك» صموده وتحديه وسط تباين مشاعر الناس حوله، فمنهم من يعتبره هدية السماء للسكان الذين بات بامكانهم الوصول إلى بيوتهم في أية ساعة من النهار أو الليل عبر استئجار «توك توك» صغير مقابل بضعة جنيهات يحملون عليه بضاعتهم ولوازمهم إلى أمام عتبة البيت، في حين يراه آخرون كابوسا مفزعا وأداة جديدة للتسيب والفوضى والجريمة. لكن «التوك توك» يبدو أنه لا يعبأ كثيراً بنظرات الغاضبين، ولأنه من الصعب إرضاء الجميع، فهو لا يزال صامدا وحاضرا بقوة منذ مجيئه الأول من تايلاند قبل عدة سنوات، مفضلاً التمدد رويدا رويدا إلى كل بقعة في مصر متعديا القرى والأزقة .